الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْقَرِينِ الَّذِي ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ الْقَرِينُ شَيْطَانًا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ لَهُ: {أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} قَالَ: شَيْطَانٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ الْقَرِينُ شَرِيكٌ كَانَ لَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ أَوْ صَاحِبٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ الْمُشْرِكُ يَكُونُ لَهُ الصَّاحِبُ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، فَيَقُولُ لَهُ الْمُشْرِكُ: إِنَّكَ لَتُصَدِّقُ بِأَنَّكَ مَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا؟ فَلَمَّا أَنْ صَارُوا إِلَى الْآخِرَةِ وَأُدْخِلَ الْمُؤْمِنُ الْجَنَّةَ، وَأُدْخِلَ الْمُشْرِكُ النَّارَ، فَاطَّلَعَ الْمُؤْمِنُ، فَرَأَى صَاحِبَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْبَهْرَانِيُّ فِي قَوْلِهِ {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} قَالَ: إِنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا شَرِيكَيْنِ، فَاجْتَمَعَ لَهُمَا ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِينَارٍ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا لَهُ حِرْفَةٌ، وَالْآخَرُ لَيْسَ لَهُ حِرْفَةٌ، فَقَالَ الَّذِي لَهُ حِرْفَةٌ لِلْآخَرِ: لَيْسَ لَكَ حِرْفَةٌ، مَا أُرَانِي إِلَّا مُفَارِقَكَ وَمُقَاسِمَكَ، فَقَاسَمَهُ وَفَارَقَهُ، ثُمَّ إِنِ الرَّجُلَ اشْتَرَى دَارًا بِأَلْفِ دِينَارٍ كَانَتْ لِمَلِكٍ قَدْ مَاتَ فَدَعَا صَاحِبَهُ فَأَرَاهُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى هَذِهِ الدَّارَ ابْتَعْتُهَا بِأَلْفِ دِينَارٍ؟ قَالَ: مَا أَحْسَنَهَا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ صَاحِبِي هَذَا قَدِ ابْتَاعَ هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ دَارًا مِنْ دَوْرِ الْجَنَّةِ، فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ إِنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَدَعَاهُ وَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ صَاحِبِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ امْرَأَةً مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ، فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ إِنَّهُ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ اشْتَرَى بُسْتَانَيْنِ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ، ثُمَّ دَعَاهُ فَأَرَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي ابْتَعْتُ هَذَيْنِ الْبُسْتَانَيْنِ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: يَا رَبِّ إِنْ صَاحِبِي قَدِ اشْتَرَى بُسْتَانَيْنِ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ، وَأَنَا أَسْأَلُكَ بُسْتَانَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ، فَتَصَدَّقَ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَكَ أَتَاهُمَا فَتَوَفَّاهُمَا، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهَذَا الْمُتَصَدِّقِ فَأَدْخَلَهُ دَارًا تُعْجِبُهُ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَطْلَعُ يُضِيءُ مَا تَحْتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، ثُمَّ أَدْخَلَهُ بُسْتَانَيْنِ، وَشَيْئًا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: مَا أَشْبَهَ هَذَا بَرْجَلٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَإِنَّهُ ذَاكَ، وَلَكَ هَذَا الْمَنْزِلُ وَالْبُسْتَانَانِ وَالْمَرْأَةُ. قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبٌ يَقُولُ: {أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} قِيلَ لَهُ: فَإِنَّهُ فِي الْجَحِيمِ، قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ؟ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}....الْآيَاتِ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ فُرَاتُ بْنُ ثَعْلَبَةَ يُقَوِّي قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ"إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَّدِّقِينَ" بِتَشْدِيدِ الصَّادِ بِمَعْنَى: لِمَنِ الْمُتَصَدِّقِينَ، لِأَنَّهُ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ مَا أَعْطَاهُ عَلَى الصَّدَقَةِ لَا عَلَى التَّصْدِيقِ، وَقِرَاءَةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، بَلْ قِرَاءَتُهَا بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، بِمَعْنَى: إِنْكَارِ قَرِينِهِ عَلَيْهِ التَّصْدِيقَ أَنَّهُ يُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَتُصَدِّقُ بِأَنَّكَ تُبْعَثُ بَعْدَ مَمَاتِكَ، وَتُجْزَى بِعَمَلِكَ، وَتُحَاسَبُ؟ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ {أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} يَقُولُ: أَئِنَّا لَمُحَاسَبُونَ وَمَجْزِيُّونَ بَعْدَ مَصِيرِنَا عِظَامًا وَلُحُومِنَا تُرَابًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} يَقُولُ: أَئِنَّا لَمُجَازَوْنَ بِالْعَمَلِ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {أَئِنَّا لَمَدِينُونَ}: أَئِنَّا لَمُحَاسَبُونَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} مُحَاسَبُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتَ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ هَذَا الْمُؤْمِنُ الَّذِي أُدْخِلَ الْجَنَّةَ لِأَصْحَابِهِ: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} فِي النَّارِ، لَعَلِّي أَرَى قَرِينِي الَّذِي كَانَ يَقُولُ لِي: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِأَنَّا مَبْعُوثُونَ بَعْدَ الْمَمَاتِ. وَقَوْلُهُ {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} يَقُولُ: فَاطَّلَعَ فِي النَّارِ فَرَآهُ فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ. وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ فَقَالُوا: نَعَمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} يَعْنِي: فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} يَعْنِي: فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} يَقُولُ: فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ. حَدَّثَنَا ابْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: ثَنَا قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {سَوَاءِ الْجَحِيمِ} قَالَ: وَسَطُهَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} قَالَ: سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُطْلِعَهُ، قَالَ {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}: أَيْ فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خُلَيْدٍ الْعَصَرِيِّ، قَالَ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَهُ إِيَّاهُ مَا عَرَّفَهُ، لَقَدْ تَغَيَّرَ حِبْرُهُ وَسَبْرُهُ بَعْدَهُ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ اطَّلَعَ فَرَأَى جَمَاجِمَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: {تَاللَّهَ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِير، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} قَالَ: وَاللَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ عَرَفَهُ مَا عَرَفَهُ، لَقَدْ غَيَّرَتِ النَّارُ حَبْرَهُ وَسَبْرَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا: "هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونِى فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ " قَالَ: فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا السُّدِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي (مُطَّلِعُونَ) إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً عَنْهُ، فَإِنَّهَا مِنْ شَوَاذِّ الْحُرُوفِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمُكَنَّى مِنَ الْأَسْمَاءِ إِذَا اتَّصَلَ بِفَاعِلٍ عَلَى الْإِضَافَةِ فِي جَمْعٍ أَوْ تَوْحِيدٍ، لَا يَكَادُونَ أَنْ يَقُولُوا أَنْتَ مُكَلِّمُنِي وَلَا أَنْتُمَا مُكَلِّمَانِي وَلَا أَنْتُمْ مُكَلِّمُونِي وَلَا مُكَلِّمُونَنِي، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ أَنْتَ مُكَلِّمِي، وَأَنْتُمَا مُكَلِّمَايَ، وَأَنْتُمْ مُكَلِّمِي، وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْغَلَطِ تَوَهَّمَا بِهِ: أَنْتَ تُكَلِّمُنِي، وَأَنْتُمَا تُكَلِّمَانِنِي، وَأَنْتُمْ تُكَلِّمُونَنِي، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَمَا أَدْرِي وَظَنِّي كُلَّ ظَنٍ *** أَمُسْلِمُنِي إِلَى قَوْمِي شَرَاحِي؟ فَقَالَ: مُسْلِمُنِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَجْهَ الْكَلَامِ، بَلْ وَجْهُ الْكَلَامِ أَمُسْلِمِيَّ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ ظَاهِرًا وَلَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِالْفَاعِلِ، فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا أَضَافُوا، وَرُبَّمَا لَمَّ يُضِيفُوا، فَيُقَالُ: هَذَا مُكَلِّمٌ أَخَاكَ، وَمُكَلِّمُ أَخِيكَ، وَهَذَانِ مُكَلِّمَا أَخِيكَ، وَمُكَلَّمَانِ أَخَاكَ، وَهَؤُلَاءِ مُكَلَّمُو أَخِيكَ، وَمُكَلَّمُونَ أَخَاكَ، وَإِنَّمَا تُخْتَارُ الْإِضَافَةُ فِي الْمُكَنَّى الْمُتَّصِلِ بِفَاعِلٍ لِمَصِيرِ الْحَرْفَيْنِ بِاتِّصَالِ أَحَدِهِمَا بِصَاحِبِهِ كَالْحَرْفِ الْوَاحِدِ. وَقَوْلُهُ {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} يَقُولُ: فَلَمَّا رَأَى قَرِينَهُ فِي النَّارِ قَالَ: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ فِي الدُّنْيَا لِتُهْلِكُنِي بِصَدِّكَ إِيَّايَ عَنِ الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} قَالَ: لِتُهْلِكُنِي، يُقَالُ مِنْهُ: أَرْدَى فُلَانٌ فَلَانَا: إِذَا أَهْلَكَهُ، وَرَدِيَ فُلَانٌ: إِذَا هَلَكَ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى. أَفِي الطَّوْفِ خِفْتِ عَلَيَّ الرَّدَى *** وَكَمْ مِنْ رَدٍ أَهْلَهُ لَمْ يَرِمْ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: "وَكَمْ مِنْ رَدٍ": وَكَمْ مِنْ هَالِكٍ. وَقَوْلُهُ {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} يَقُولُ: وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَيَّ بِهِدَايَتِهِ، وَالتَّوْفِيقِ لِلْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ مَعَكَ فِي عَذَابِ اللَّهِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}: أَيْ فِي عَذَابِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ {لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} قَالَ: مِنَ الْمُعَذَّبِينَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَذَا الْمُؤْمِنَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا أَعْطَاهُ مِنْ كَرَامَتِهِ فِي جَنَّتِهِ سُرُورًا مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهُ فِيهَا {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى} يَقُولُ: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ غَيْرَ مَوْتَتِنَا الْأُولَى فِي الدُّنْيَا، {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} يَقُولُ: وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ بَعْدَ دُخُولِنَا الْجَنَّةَ {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي أَعْطَانَاهُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ فِي الْجَنَّةِ، أَنَّا لَا نُعَذَّبُ وَلَا نَمُوتُ لَهُوَ النَّجَاءُ الْعَظِيمُ مِمَّا كُنَّا فِي الدُّنْيَا نَحْذَرُ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، وَإِدْرَاكِ مَا كُنَّا فِيهَا، نُؤَمِّلُ بِإِيمَانِنَا، وَطَاعَتِنَا رَبَّنَا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ} إِلَى قَوْلِهِ {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} قَالَ: هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَقَوْلُهُ {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِمِثْلِ هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْكَرَامَةِ فِي الْآخِرَةِ، فَلْيَعْمَلْ فِي الدُّنْيَا لِأَنْفُسِهِمُ الْعَامِلُونَ، لِيُدْرِكُوا مَا أَدْرَكَ هَؤُلَاءِ بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَهَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ مِنْ كَرَامَتِي فِي الْجَنَّةِ، وَرَزَقْتُهُمْ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ خَيْرٌ، أَوْ مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِ النَّارِ مِنَ الزَّقُّومِ. وَعُنِيَ بِالنُّزُلِ: الْفَضْلُ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: نُزُلٌ وَنُزْلٌ، يُقَالُ لِلطَّعَامِ الَّذِي لَهُ رَيْعٌ: هُوَ طَعَامٌ لَهُ نُزُلٌ وَنُزْلٌ. وَقَوْلُهُ {أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} ذُكِرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: كَيْفَ يَنْبُتُ الشَّجَرُ فِي النَّارِ، وَالنَّارُ تُحْرِقُ الشَّجَرَ؟ فَقَالَ اللَّهُ: {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} يَعْنِي لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا فِي ذَلِكَ مَا قَالُوا، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِصِفَةِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَقَالَ {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} حَتَّى بَلَغَ {فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} قَالَ: لَمَّا ذَكَرَ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ افْتَتَنَ الظَّلَمَةُ، فَقَالُوا: يُنْبِئُكُمْ صَاحِبُكُمْ هَذَا أَنَّ فِي النَّارِ شَجَرَةً، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا تَسْمَعُونَ: إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، غُذِّيَتْ بِالنَّارِ وَمِنْهَا خُلِقَتْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَمَّا نَزَلَتْ {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} قَالَ: تَعْرِفُونَهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: أَنَا آتِيكُمْ بِهَا، فَدَعَا جَارِيَةً فَقَالَ: ائْتِينِي بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ، فَقَالَ: دُونَكُمْ تَزَقَّمُوا، فَهَذَا الزَّقُّومُ الَّذِي يُخَوِّفُكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَفْسِيرَهَا: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} قَالَ: لِأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} قَالَ: قَوْلُ أَبِي جَهْلٍ: إِنَّمَا الزَّقُّومُ التَّمْرُ وَالزُّبْدُ أَتَزَقَّمُهُ. وَقَوْلُهُ {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَأَنَّ طَلْعَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، يَعْنِي شَجَرَةَ الزَّقُّومِ فِي قُبْحِهِ وَسَمَاجَتِهِ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فِي قُبْحِهَا. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: "إِنَّهَا شَجَرَةٌ نَابِتَةٌ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} قَالَ: شَبَّهَهُ بِذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَاوَجْهُ تَشْبِيهِهِ طَلْعَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ فِي الْقُبْحِ، وَلَا عِلْمَ عِنْدِنَا بِمَبْلَغِ قُبْحِ رُءُوسِ الشَّيَاطِينِ، وَجْهُ تَشْبِيهِ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَّمَا يُمَثَّلُ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ تَعْرِيفًا مِنَ الْمُمَثِّلِ لَهُ قُرْبَ اشْتِبَاهِ الْمُمَثَّلِ أَحَدِهِمَا بِصَاحِبِهِ مَعَ مَعْرِفَةِ الْمُمَثَّلِ لَهُ الشَّيْئَيْنِ كِلَيْهِمَا، أَوْ أَحَدَهُمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لَمْ يَكُونُوا عَارِفِينَ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، وَلَا بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ، وَلَا كَانُوا رَأَوْهُمَا، وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا؟. قِيلَ لَهُ: أَمَّا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فَقَدْ وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُمْ وَبَيَّنَهَا حَتَّى عَرَفُوهَا مَا هِيَ وَمَا صِفَتُهَا، فَقَالَ لَهُمْ: {شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} فَلَمْ يَتْرُكْهُمْ فِي عَمَاءٍ مِنْهَا. وَأَمَّا فِي تَمْثِيلِهِ طَلْعَهَا بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ، فَأَقُولُ لِكُلٍّ مِنْهَا وَجْهٌ مَفْهُومٌ: أَحُدُّهَا أَنْ يَكُونَ مَثَّلَ ذَلِكَ بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ جَرَى بِهِ اسْتِعْمَالُ الْمُخَاطَبِينَ بِالْآيَةِ بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ النَّاسِ قَدْ جَرَى بَيْنَهُمْ فِي مُبَالَغَتِهِمْ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمُ الْمُبَالَغَةَ فِي تَقْبِيحِ الشَّيْءِ، قَالَ: كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ، فَذَلِكَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَثَّلَ بِرَأْسِ حَيَّةٍ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ الْعَرَبِ تُسَمَّى شَيْطَانًا، وَهِيَ حَيَّةٌ لَهَا عُرْفٌ فِيمَا ذَكَرَ قَبِيحُ الْوَجْهِ وَالْمَنْظَرِ، وَإِيَّاهُ عَنَى الرَّاجِزُ بِقَوْلِهِ عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أَحْلِفُ *** كَمِثْلِ شَيْطَانِ الْحَمَاطِ أَعْرَفُ وَيُرْوَى عُجَيِّزٌ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِثْلَ نَبْتٍ مَعْرُوفٍ بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ ذُكِرَ أَنَّهُ قَبِيحُ الرَّأْسِ {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ لَهُمْ فِتْنَةً، لَآكِلُونَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الَّتِي هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، فَمَالِئُونَ مِنْ زَقُّومِهَا بُطُونَهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} ثُمَّ إِنَّ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا يَأْكُلُونَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ شَوْبًا، وَهُوَ الْخَلْطُ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: شَابَ فُلَانٌ طَعَامَهُ فَهُوَ يَشُوبُهُ شَوْبًا وَشُيَّابًا (مِنْ حَمِيمٍ) وَالْحَمِيمُ: الْمَاءُ الْمَحْمُومُ، وَهُوَ الَّذِي أُسْخِنَ فَانْتَهَى حَرُّهُ، وَأَصْلُهُ مَفْعُولٌ صُرِفَ إِلَى فَعِيلٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} يَقُولُ: لَمَزْجًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} يَعْنِي: شُرْبَ الْحَمِيمِ عَلَى الزَّقُّومِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} قَالَ: مِزَاجًا مِنْ حَمِيمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} قَالَ: الشَّوْبُ: الْخَلْطُ، وَهُوَ الْمَزْجُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} قَالَ: حَمِيمٌ يُشَابُ لَهُمْ بِغَسَاقٍ مِمَّا تَغْسِقُ أَعْيُنُهُمْ، وَصَدِيدٌ مِنْ قَيْحِهِمْ وَدِمَائِهِمْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ. وَقَوْلُهُ {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ إِنَّ مَآبَهُمْ وَمَصِيرَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} فَهَمْ فِي عَنَاءٍ وَعَذَابٍ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} قَالَ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: "ثُمَّ إِنَّ مُنْقَلَبَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ" وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، ثُمَّ قَالَ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} قَالَ: مَوْتُهُمْ. وَقَوْلُهُ {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} يَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ: قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَجَدُوا آبَاءَهُمْ ضُلَّالًا عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، غَيْرَ سَالِكِينَ مَحَجَّةَ الْحَقِّ. {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ يُسْرِعُ بِهِمْ فِي طَرِيقِهِمْ، لِيَقْتَفُوا آثَارَهُمْ وَسُنَّتَهَمُ، يُقَالُ مِنْهُ: أَهْرَعُ فُلَانٌ: إِذَا سَارَ سَيْرًا حَثِيثًا فِيهِ شُبِّهَ بِالرِّعْدَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} أَيْ وَجَدُوا آبَاءَهُمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ}: أَيْ وَجَدُوا آبَاءَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي يَهْرَعُونَ أَيْضًا، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} قَالَ: كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ}: أَيْ يُسْرِعُونَ إِسْرَاعًا فِي ذَلِكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ (يُهْرَعُونَ) قَالَ: يُسْرِعُونَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فَى قَوْلُهُ {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} قَالَ: يَسْتَعْجِلُونَ إِلَيْهِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ ضَلَّ يَا مُحَمَّدُ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ وَمَحَجَّةِ الْحَقِّ قَبْلَ مُشْرِكِي قَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ أَكْثَرُ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ مِنْ قَبْلِهِمْ {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ} يَقُولُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِي الْأُمَمِ الَّتِي خَلَتْ مِنْ قَبْلِ أُمَّتِكَ، وَمِنْ قَبْلِ قَوْمِكَ الْمُكَذِّبِيكَ مُنْذِرِينَ تُنْذِرُهُمْ بَأْسَنَا عَلَى كُفْرِهِمْ بِنَا، فَكَذَّبُوهُمْ وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُمْ نَصَائِحَهُمْ، فَأَحْلَلْنَا بِهِمْ بَأْسَنَا وَعُقُوبَتَنَا {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} يَقُولُ: فَتَأَمَّلْ وَتَبَيَّنْ كَيْفَ كَانَ غِبُّ أَمْرِ الَّذِينَ أَنْذَرَتْهُمْ أَنْبِيَاؤُنَا، وَإِلَامَ صَارَ أَمْرُهُمْ، وَمَا الَّذِي أَعْقَبَهُمْ كُفْرُهُمْ بِاللَّهِ، أَلَمْ نُهْلِكْهُمْ فَنُصَيِّرْهُمْ لِلْعِبَادِ عِبْرَةً وَلِمَنْ بَعَّدَهُمْ عِظَةً؟. وَقَوْلُهُ {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} يَقُولُ تَعَالَى: فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ، إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الَّذِينَ أَخْلَصْنَاهُمْ لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ، وَاسْتَثْنَى عِبَادَ اللَّهِ مِنَ الْمُنْذَرِينَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَانْظُرْ كَيْفَ أَهْلَكْنَا الْمُنْذَرِينَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلِذَلِكَ حَسُنَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ مِنْهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} قَالَ: الَّذِينَ اسْتَخْلَصَهُمُ اللَّهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ بِمَسْأَلَتِهِ إِيَّانَا هَلَاكَ قَوْمِهِ، فَقَالَ: {رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا}...إِلَى قَوْلِهِ {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} وَقَوْلُهُ {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} يَقُولُ: فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ كُنَّا لَهُ إِذْ دَعَانَا، فَأَجَبْنَا لَهُ دُعَاءَهُ، فَأَهْلَكْنَا قَوْمَهُ {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} يَعْنِي: أَهْلَ نُوحٍ الَّذِينَ رَكِبُوا مَعَهُ السَّفِينَةَ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِيمَا مَضَى، وَبَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} قَالَ: أَجَابَهُ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} يَقُولُ: مِنَ الْأَذَى وَالْمَكْرُوهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَمِنْ كَرْبِ الطُّوفَانِ وَالْغَرَقِ الَّذِي هَلَكَ بِهِ قَوْمُ نُوحٍ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ، {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} قَالَ: مِنَ الْغَرَقِ وَقَوْلُهُ {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} يَقُولُ: وَجَعَلْنَا ذَرِّيَّةَ نُوحٍ هُمُ الَّذِينَ بَقُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مَهْلِكَ قَوْمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ بَعْدِ مَهْلِكِ نُوحٍ إِلَى الْيَوْمِ إِنَّمَا هُمْ ذَرِّيَّةُ نُوحٍ، فَالْعَجَمُ وَالْعَرَبُ أَوْلَادُ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَالتُّرْكُ وَالصَّقَالِبَةُ وَالْخَزَرُ أَوْلَادُ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ، وَالسُّودَانُ أَوْلَادُ حَامِ بْنِ نُوحٍ، وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَارُ، وَقَالَتِ الْعُلَمَاءُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَشْمَةَ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} قَالَ: "سَامُ وَحَامُ وَيَافِثُ".» حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} قَالَ: فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ. حَدَّثَنَا عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} يَقُولُ: لَمْ يُبْقِ إِلَّا ذُرِّيَّةَ نُوحٍ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ}. يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِ، يَعْنِي عَلَى نُوحٍ ذِكْرًا جَمِيلًا وَثَنَاءً حَسَنًا فِي الْآخَرِينَ، يَعْنِي: فِيمَنْ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ مِنَ النَّاسِ يَذْكُرُونَهُ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} يَقُولُ: يُذْكَرُ بِخَيْرٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} يَقُولُ: جَعَلْنَا لِسَانَ صِدْقٍ لِلْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} قَالَ: أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ فِي الْآخِرِينَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} قَالَ: الثَّنَاءَ الْحَسَنَ. وَقَوْلُهُ {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} يَقُولُ: أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ لِنُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ أَنْ يَذْكُرَهُ أَحَدٌ بِسُوءٍ، وَسَلَامٌ مَرْفُوعٌ بِعَلَى. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: مَعْنَاهُ: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ} أَيْ تَرَكْنَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ، كَمَا تَقُولُ: قَرَأْتُ مِنَ الْقُرْآنِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ فِي مَعْنَى نَصْبٍ، وَتَرْفَعُهَا بِاللَّامِ، كَذَلِكَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ تَرْفَعُهُ بِعَلَى، وَهُوَ فِي تَأْوِيلِ نَصْبٍ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ: تَرَكْنَا عَلَيْهِ سَلَامًا، كَانَ صَوَابًا. وَقَوْلُهُ {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا كَمَا فَعَلْنَا بِنُوحٍ مُجَازَاةً لَهُ عَلَى طَاعَتِنَا وَصَبْرِهِ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ فِي رِضَانَا وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِ ثَنَاءً فِي الْآخِرِينَ (كَذَلِكَ نَجْزِي) الَّذِينَ يُحْسِنُونَ فَيُطِيعُونَنَا، وَيَنْتَهُونَ إِلَى أَمْرِنَا، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى فِينَا. وَقَوْلُهُ {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} يَقُولُ: إِنَّ نُوحًا مِنْ عِبَادِنَا الَّذِينَ آمَنُوا بِنَا، فَوَحَّدُونَا، وَأَخْلَصُوا لَنَا الْعِبَادَةَ، وَأَفْرَدُونَا بِالْأُلُوهَةِ. وَقَوْلُهُ {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ أَغْرَقْنَا حِينَ نَجَّيْنَا نُوحًا وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ مَنْ بَقِيَ مَنْ قَوْمِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} قَالَ: أَنْجَاهُ اللَّهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ، وَأَغْرَقَ بَقِيَّةَ قَوْمِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لِإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ مِنْ أَشْيَاعِ نُوحٍ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَمِلَّتِهِ وَاللَّهِ لَإِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} يَقُولُ: مِنْ أَهْلِ دِينِهِ. حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} قَالَ: عَلَى مِنْهَاجِ نُوحٍ وَسُنَّتِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} قَالَ: عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسُنَّتِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} قَالَ: عَلَى دِينِهِ وَمِلَّتِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} قَالَ: مِنْ أَهْلِ دِينِهِ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِنَّ مِنْ شِيعَةِ مُحَمَّدٍ لِإِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ: ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} بِمَعْنَى: أَنَا حَمَلْنَا ذُرِّيَّةَ مَنْ هُمْ مِنْهُ، فَجَعَلَهَا ذُرِّيَّةً لَهُمْ، وَقَدْ سَبَقَتْهُمْ. وَقَوْلُهُ {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِذْ جَاءَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ مِنَ الشِّرْكِ، مُخْلِصٌ لَهُ التَّوْحِيدَ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} وَاللَّهِ مِنَ الشِّرْكِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} قَالَ: سَلِيمٌ مِنَ الشِّرْكِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} قَالَ: لَا شَكَّ فِيهِ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: يَا بَنِيَّ لَا تَكُونُوا لَعَّانِينَ، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْعَنْ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ اللَّهُ: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. وَقَوْلُهُ {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} يَقُولُ حِينَ قَالَ: يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ: أَيُّ شَيْءٍ تَعْبُدُونَ. وَقَوْلُهُ {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} يَقُولُ: أَكَذِبًا مَعْبُودًا غَيْرَ اللَّهِ تُرِيدُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ: {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}؟ يَقُولُ: فَأَيُّ شَيْءٍ تَظُنُّونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَنَّهُ يَصْنَعُ بِكُمْ إِنْ لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} يَقُولُ: إِذَا لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} ذُكِرَ أَنَّ قَوْمَهُ كَانُوا أَهْلَ تَنْجِيمٍ، فَرَأَى نَجْمًا قَدْ طَلَعَ، فَعَصَبَ رَأْسَهُ وَقَالَ: إِنِّي مَطْعُونٌ، وَكَانَ قَوْمُهُ يَهْرُبُونَ مِنَ الطَّاعُونِ، فَأَرَادَ أَنْ يَتْرُكُوهُ فِي بَيْتِ آلِهَتِهِمْ، وَيَخْرُجُوا عَنْهُ، لِيُخَالِفَهُمْ إِلَيْهَا فَيَكْسِرُهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} رَأَى نَجْمًا طَلَعَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} رَأَى نَجْمًا طَلَعَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: كَايَدَ نَبِيُّ اللَّهِ عَنْ دِينِهِ، فَقَالَ: إِنِّي سَقِيمٌ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ آلِهَتِهِمْ: اخْرُجْ مَعَنَا، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي مَطْعُونٌ، فَتَرَكُوهُ مَخَافَةَ أَنْ يُعْدِيَهُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَلِكَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ غَدًا عِيدَنَا، فَاحْضُرْ مَعَنَا، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى نَجْمٍ فَقَالَ: إِنْ ذَلِكَ النَّجْمَ لَمْ يَطْلُعْ قَطُّ إِلَّا طَلَعَ بِسَقَمٍ لِي، فَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} يَقُولُ اللَّهُ: {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ}. وَقَوْلُهُ {إِنِّي سَقِيمٌ}: أَيْ طَعِينٌ، أَوْ لِسَقَمٍ كَانُوا يَهْرُبُونَ مِنْهُ إِذَا سَمِعُوا بِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يَخْرُجُوا عَنْهُ، لِيَبْلُغَ مِنْ أَصْنَامِهِمُ الَّذِي يُرِيدُ. وَاخْتَلَفَ فِي وَجْهِ قِيلِ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ: {إِنِّي سَقِيمٌ} وَهُوَ صَحِيحٌ، فَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَات» ".
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثَنِي هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " «وَلَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ غَيْرَ ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، قَوْلُهُ (إِنِّي سَقِيمٌ) وَقَوْلُهُ {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}، وَقَوْلُهُ فِيسَارَةَ: هِيَ أُخْتِي» ". حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا أَبِي، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا فِي ثَلَاث» " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " «مَا كَذَبَ إِبْرَاهِيمُ غَيْرَ ثَلَاثِ كِذْبَاتٍ، قَوْلُهُ (إِنِّي سَقِيمٌ)، وَقَوْلُهُ {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}، وَإِنَّمَا قَالَهُ مَوْعِظَةً، وَقَوْلُهُ حِينَ سَأَلَهُ الْمَلِكُ، فَقَالَ أُخْتِيلِسَارَةَ، وَكَانَتِ امْرَأَتَه» ". حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْأَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ مَا كَذَبَ إِلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ، ثِنْتَانِ فِي اللَّهِ، وَوَاحِدَةٌ فِي ذَاتِ نَفْسِهِ، فَأَمَّا الثِّنْتَانِ فَقَوْلُهُ (إِنِّي سَقِيمٌ)، وَقَوْلُهُ {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وَقِصَّتُهُ فِيسَارَةَ، وَذَكَرَ قِصَّتَهَا وَقِصَّةَ الْمَلِكِ". وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ قَوْلَهُ {إِنِّي سَقِيمٌ} كَلِمَةٌ فِيهَا مِعْرَاضٌ، وَمَعْنَاهَا أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي عَقَبَةِ الْمَوْتِ فَهُوَ سَقِيمٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حِينَ قَالَهَا سَقَمٌ ظَاهِرٌ، وَالْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْحَقُّ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} يَقُولُ: فَتَوَلَّوْا عَنْ إِبْرَاهِيمَ مُدَبِّرِينَ عَنْهُ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَعدِيَهُمُ السَّقَمُ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ بِهِ. كَمَا حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنِّي سَقِيمٌ} يَقُولُ: مَطْعُونٌ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ، قَالَ سَعِيدٌ: إِنْ كَانَ الْفِرَارُ مِنَ الطَّاعُونِ لَقَدِيمًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (فَتَوَلَّوْا) فَنَكَصُوا عَنْهُ (مُدْبِرِينَ) مُنْطَلِقِينَ. وَقَوْلُهُ {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَالَ إِلَى آلِهَتِهِمْ بَعْدَ مَا خَرَجُوا عَنْهُ وَأَدْبَرُوا، وَأَرَى أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَاغَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ: إِذَا حَادَ عَنْهُ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ: فَرَاغَ عَنْ قَوْمِهِ وَالْخُرُوجِ مَعَهُمْ إِلَى آلِهَتِهِمْ، كَمَا قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ: حِينَ لَا يَنْفَعُ الرَّوَاغُ وَلَا يَنْـ *** فَعُ إِلَّا الْمُصَادِقُ النِّحْرِيرُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ"لَا يَنْفَعُ الرَّوَاغُ": الْحِيَادُ. أَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوهُ بِمَعْنَى فَمَالَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ}: أَيْ فَمَالَ إِلَى آلِهَتِهِمْ، قَالَ: ذَهَبَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} قَالَ: ذَهَبَ. وَقَوْلُهُ {فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ إِبْرَاهِيمَ لِلْآلِهَةِ، وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ: فَقَرَّبَ إِلَيْهَا الطَّعَامَ فَلَمْ يَرَهَا تَأْكُلُ، فَقَالَ لَهَا: {أَلَا تَأْكُلُونَ} فَلَمَّا لَمْ يَرَهَا تَأْكُلُ قَالَ لَهَا: مَا لَكَمَ لَا تَأْكُلُونَ، فَلَمْ يَرَهَا تَنْطِقُ، فَقَالَ لَهَا: {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} مُسْتَهْزِئًا بِهَا، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَنَّهُ فَعَلَ بِهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} يَسْتَنْطِقُهُمْ {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}؟
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَالَ عَلَى آلِهَةِ قَوْمِهِ ضَرْبًا لَهَا بِالْيَمِينِ بِفَأْسٍ فِي يَدِهِ يَكْسِرُهُنَّ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا خَلَا جَعَلَ يَضْرِبُ آلِهَتَهُمْ بِالْيَمِينِ حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ يَكْسِرُهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ، ثُمَّ جَعَلَ يَكْسِرُهُنَّ بِفَأْسٍ فِي يَدِهِ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ بِمَعْنَى: فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، وَيَقُولُ: الْيَمِينُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْقُوَّةُ: وَبَعْضُهُمْ كَانَ يَتَأَوَّلُ الْيَمِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْحِلْفُ، وَيَقُولُ: جَعَلَ يَضْرِبُهُنَّ بِالْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَ بِهَا بِقَوْلِهِ {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: "فَرَاغَ عَلَيْهِمْ صَفَقَا بِالْيَمِينِ". وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُشَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَرَأَ: "فَرَاغَ عَلَيْهِمْ صَفْقًا بِالْيَمِينِ": أَيْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ. وَقَوْلُهُ {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِمْ: زَفَّتِ النَّعَامَةُ، وَذَلِكَ أَوَّلُ عَدْوِهَا، وَآخِرُ مَشْيِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ: وَجَاءَ قَرِيعُ الشَّوْلِ قَبْلَ إِفَالِهَا *** يَزِفُّ وَجَاءَتْ خَلْفَهُ وَهْيَ زُفَّفُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: "يُزِفُّونَ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنْ أَزَفَّ فَهُوَ يُزِفُّ. وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ إِلَّا زَفَفْتُ، وَيَقُولُ: لَعَلَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَهُ: "يُزِفُّونَ" بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: أَطْرَدْتُ الرَّجُلَ: أَيْ صَيَّرْتُهُ طَرِيدًا، وَطَرَدْتُهُ: إِذَا أَنْتَ خَسِئْتَهُ إِذَا قُلْتَ: اذْهَبْ عَنَّا، فَيَكُونُ يَزُفُّونَ: أَيْ جَاءُوا عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَزْفُوفَةِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، فَتَدْخُلُ الْأَلِفُ. كَمَا تَقُولُ: أَحْمَدْتُ الرَّجُلَ: إِذَا أَظْهَرْتُ حَمْدَهُ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ: إِذَا رَأَيْتُ أَمْرَهُ إِلَى الْحَمْدِ، وَلَمْ تَنْشُرْ حَمْدَهُ، قَالَ: وَأَنْشَدَنِي الْمُفَضَّلُ: تَمَنَّى حُصَيْنٌ أَنْ يَسُودَ جِذَاعَهُ *** فَأَمْسَى حُصَيْنٌ قَدْ أَذَلَّ وَأَقْهَرَا فَقَالَ: أَقْهَرَ، وَإِنَّمَا هُوَ قُهِرَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ صَارَ إِلَى حَالِ قَهْرٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ. "يَزِفُونَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ مِنْ وَزَفَ يَزِفُ وَذُكِرَ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا أَعْرِفُهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ لُغَةً لَمْ أَسْمَعْهَا. وَذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْوَزْفُ: النَّسَلَانُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ (إِلَيْهِ يَزُفُّونَ) قَالَ: الْوَزِيفُ: النَّسَلَانُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْفُصَحَاءِ مِنَ الْقُرَّاءِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَأَقْبَلَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ يَجْرُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ}: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَجْرُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: أَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَمْشُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} قَالَ: يَمْشُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: فَأَقْبَلُوا يَسْتَعْجِلُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} قَالَ: يَسْتَعْجِلُونَ، قَالَ: يَزِفُّ: يَسْتَعْجِلُ. وَقَوْلُهُ {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِقَوْمِهِ: أَتَعْبُدُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ مَا تَنْحِتُونَ بِأَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَصْنَامِ. كَمَا حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} الْأَصْنَامَ. وَقَوْلُهُ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ وَمَا تَعْمَلُونَ. وَفِي قَوْلِهِ (وَمَا تَعْمَلُونَ) وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ"مَا" بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَعَمَلَكُمْ. وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى "الذِي"، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَ ذَلِكَ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَالَّذِي تَعْمَلُونَهُ: أَيْ وَالَّذِي تَعْمَلُونَ مِنْهُ الْأَصْنَامَ، وَهُوَ الْخَشَبُ وَالنُّحَاسُ وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي كَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْهَا أَصْنَامَهُمْ. وَهَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي قَصَدَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَتَادَةُ بِقَوْلِهِ: الَّذِي حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}: بِأَيْدِيكُمْ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ابْنُوا لِإِبْرَاهِيمَ بُنْيَانًا، ذَكَرَ أَنَّهُمْ بَنَوْا لَهُ بُنْيَانًا يُشْبِهُ التَّنُّورَ، ثُمَّ نَقَلُوا إِلَيْهِ الْحَطَبَ، وَأَوْقَدُوا عَلَيْهِ {فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} وَالْجَحِيمُ عِنْدَ الْعَرَبِ: جَمْرُ النَّارِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَالنَّارُ عَلَى النَّارِ. وَقَوْلُهُ {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَرَادَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ كَيْدًا، وَذَلِكَ مَا كَانُوا أَرَادُوا مِنْ إِحْرَاقِهِ بِالنَّارِ. يَقُولُ اللَّهُ: (فَجَعَلْنَاهُمُ) أَيْ فَجَعَلْنَا قَوْمَ إِبْرَاهِيمَ (الْأَسْفَلِينَ) يَعْنِي الْأَذَلِّينَ حُجَّةً، وَغَلَّبْنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ بِالْحُجَّةِ، وَأَنْقَذْنَاهُ مِمَّا أَرَادُوا بِهِ مِنَ الْكَيْدِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} قَالَ: فَمَا نَاظَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى أَهْلَكَهُمْ. وَقَوْلُهُ {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} يَقُولُ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا أَفْلَجَهُ اللَّهُ عَلَى قَوْمِهِ وَنَجَّاهُ مِنْ كَيْدِهِمْ: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} يَقُولُ: إِنِّي مُهَاجِرٌ مِنْ بَلْدَةِ قَوْمِي إِلَى اللَّهِ: أَيْ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمُفَارِقُهُمْ، فَمُعْتَزِلُهُمْ لِعِبَادَةِ اللَّهِ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}: ذَاهِبٌ بِعَمَلِهِ وَقَلْبِهِ وَنِيَّتِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ: إِنَّمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} حِينَ أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِي النَّارِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ يَقُولُ: لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوا إِبْرَاهِيمَ فِي النَّارِ (قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) فَجَمَعَ الْحَطَبَ، فَجَاءَتْ عَجُوزٌ عَلَى ظَهْرِهَا حَطَبٌ، فَقِيلَ لَهَا: أَيْنَ تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ: أُرِيدُ أَذْهَبُ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يُلْقَى فِي النَّارِ، فَلَمَّا أُلْقِيَ فِيهَا، قَالَ: حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، أَوْ قَالَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} قَالَ: فَقَالَ ابْنُ لُوطٍ، أَوِ ابْنُ أَخِي لُوطٍ: إِنِ النَّارَ لَمْ تَحْرِقْهُ مِنْ أَجْلِي، وَكَانَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ عُنُقًا مِنَ النَّارِ فَأَحْرَقَتْهُ. وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ الْقَوْلَ الَّذِي قُلْتُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَ خَبَرَهُ وَخَبَرَ قَوْمِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَمَّا نَجَّاهُ مِمَّا حَاوَلَ قَوْمُهُ مِنْ إِحْرَاقِهِ قَالَ {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} فَفَسَّرَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} لِأَنَّهُ كَقَوْلِهِ {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} وَقَوْلُهُ (سَيَهْدِينِ) يَقُولُ: سَيُثَبِّتُنِي عَلَى الْهُدَى الَّذِي أَبْصَرْتُهُ، وَيُعِينُنِي عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} وَهَذَا مَسْأَلَةُ إِبْرَاهِيمَ رَبَّهُ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَدًا صَالِحًا، يَقُولُ: قَالَ: يَا رَبِّ هَبْ لِي مِنْكَ وَلَّدَا يَكُونُ مِنَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يُطِيعُونَكَ، وَلَا يَعْصُونَكَ، وَيَصْلُحُونَ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُفْسِدُونَ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} قَالَ: وَلَدًا صَالِحًا. وَقَالَ: مِنَ الصَّالِحِينَ، وَلَمْ يَقُلْ: صَالِحًا مِنَ الصَّالِحِينَ، اجْتِزَاءً بِمِنْ ذِكْرِ الْمَتْرُوكِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} بِمَعْنَى زَاهِدِينَ مِنَ الزَّاهِدِينَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبَشَّرْنَا إِبْرَاهِيمَ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ، يَعْنِي بِغُلَامٍ ذِي حِلْمٍ إِذَا هُوَ كَبِرَ، فَأَمَّا فِي طُفُولَتِهِ فِي الْمَهْدِ، فَلَا يُوصَفُ بِذَلِكَ. وَذَكَرَ أَنَّ الْغُلَامَ الَّذِي بَشَّرَ اللَّهُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} بُشِّرَ بِإِسْحَاقَ، قَالَ: لَمْ يُثْنِ بِالْحِلْمِ عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ إِسْحَاقَ وَإِبْرَاهِيمَ. وَقَوْلُهُ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} يَقُولُ: فَلَمَّا بَلَغَ الْغُلَامُ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ الْعَمَلَ، وَهُوَ السَّعْيُ، وَذَلِكَ حِينَ أَطَاقَ مَعُونَتَهُ عَلَى عَمَلِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} يَقُولُ: الْعَمَلُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} قَالَ: لَمَّا شَبَّ حَتَّى أَدْرَكَ سَعْيُهُ سَعْيَ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَمَلِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا شَبَّ حِينَ أَدْرَكَ سَعْيَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} قَالَ: سَعْيُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}: سَعْيُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} قَالَ: السَّعْيُ هَا هُنَا الْعِبَادَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَلَمَّا مَشَى مَعَ إِبْرَاهِيمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}: أَيْ لَمَّا مَشَى مَعَ أَبِيهِ. وَقَوْلُهُ {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} وَكَانَ فِيمَا ذَكَرَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ نَذَرَ حِينَ بَشَّرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِإِسْحَاقَ وَلَدًا أَنْ يَجْعَلَهُ إِذَا وَلَدَتْهُسَارَةُلِلَّهِ ذَبِيحًا، فَلَمَّا بَلَغَ إِسْحَاقُ مَعَ أَبِيهِ السَّعْيَ أُرِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: أَوْفِ لِلَّهِ بِنَذْرِكَ، وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ يَقِينٌ، فَلِذَلِكَ مَضَى لِمَا رَأَى فِي الْمَنَامِ، وَقَالَ لَهُ ابْنُهُ إِسْحَاقُ مَا قَالَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: قَالَ جِبْرَائِيلُ لِسَارَةَ: أَبْشِرِي بِوَلَدٍ اسْمُهُ إِسْحَاقُ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، فَضَرَبَتْ جَبْهَتَهَا عَجَبًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} وَ {قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} إِلَى قَوْلِهِ {حَمِيدٌ مَجِيدٌ} قَالَتْسَارَةُ لِجِبْرِيلَ: مَا آيَةُ ذَلِكَ؟ فَأَخَذَ بِيَدِهِ عُودًا يَابِسًا، فَلَوَاهُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَاهْتَزَّ أَخْضَرَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: هُوَ لِلَّهِ إِذَنْ ذَبِيحٌ، فَلَمَّا كَبُرَ إِسْحَاقُ أُتِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّوْمِ، فَقِيلَ لَهُ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ الَّذِي نَذَرْتَ، إِنِ اللَّهُ رَزَقَكَ غُلَامًا مِنْسَارَةَأَنْ تَذْبَحَهُ، فَقَالَ لِإِسْحَاقَ: انْطَلَقَ نُقَرِّبُ قُرْبَانًا إِلَى اللَّهِ، وَأَخَذَ سِكِّينًا وَحَبْلًا ثُمَّ انْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ بِهِ بَيْنَ الْجِبَالِ قَالَ لَهُ الْغُلَامُ: يَا أَبَتِ أَيْنَ قُرْبَانُكَ؟ {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَتِ أُشْدُدْ رِبَاطِي حَتَّى لَا أَضْطَرِبَ، وَاكْفُفْ عَنِّي ثِيَابَكَ حَتَّى لَا يَنْتَضِحَ عَلَيْهَا مِنْ دَمِيَ شَيْءٌ، فَتَرَاهُسَارَةُفَتَحْزَنَ، وَأَسْرِعْ مَرَّ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِي، لِيَكُونَ أَهْوَنَ لِلْمَوْتِ عَلَيَّ، فَإِذَا أَتَيْتَسَارَةَفَاقْرَأْ عَلَيْهَا مِنِّي السَّلَامَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ يُقَبِّلُهُ وَقَدْ رَبَطَهُ وَهُوَ يَبْكِي وَإِسْحَاقُ يَبْكِي، حَتَّى اسْتَنْقَعَ الدُّمُوعَ تَحْتَ خَدِّ إِسْحَاقَ، ثُمَّ إِنَّهُ جَرَّ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ، فَلَمْ تَحِكِ السِّكِّينُ، وَضَرَبَ اللَّهُ صَفِيحَةً مِنَ النُّحَاسِ عَلَى حَلْقِ إِسْحَاقَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ضَرَبَ بِهِ عَلَى جَبِينِهِ، وَحَزَّ مِنْ قَفَاهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ (فَلَمَّا أَسْلَمَا) يَقُولُ: سَلَّمَا لِلَّهِ الْأَمْرَ {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} فَنُودِيَ يَا إِبْرَاهِيمُ {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} بِالْحَقِّ فَالْتَفَتَ فَإِذَا بِكَبْشٍ، فَأَخَذَهُ وَخَلَّى عَنِ ابْنِهِ، فَأَكَبَّ عَلَى ابْنِهِ يُقَبِّلُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: الْيَوْمَ يَا بُنَيَّ وُهِبْتَ لِي، فَلِذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} فَرَجَعَ إِلَىسَارَةَفَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، فَجَزِعَتْسَارَةُوَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَرَدْتَ أَنْ تَذْبَحَ ابْنِي وَلَا تُعْلِمَنِي !. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} قَالَ: رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ إِذَا رَأَوْا فَى الْمَنَامِ شَيْئًا فَعَلُوْهُ. حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحَيٌّ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}. قَوْلُهُ {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}: اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (مَاذَا تَرَى؟)، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَبَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} بِفَتْحِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ تَأْمُرُ، أَوْ فَانْظُرْ مَا الَّذِي تَأْمُرُ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: "مَاذَا تُرَى" بِضَمِّ التَّاءِ، بِمَعْنَى: مَاذَا تُشِيرُ، وَمَاذَا تُرَى مِنْ صَبْرِكَ أَوْ جَزَعِكَ مِنَ الذَّبْحِ؟. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: (مَاذَا تَرَى) بِفَتْحِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: مَاذَا تَرَى مِنَ الرَّأْيِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يُؤَامِرُ ابْنَهُ فِي الْمُضِيِّ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى طَاعَتِهِ؟ قِيلَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ مُشَاوَرَةً لِابْنِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْهُ لِيَعْلَمَ مَا عِنْدَ ابْنِهِ مِنَ الْعَزْمِ: هَلْ هُوَ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ عَلَى مِثْلِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، فَيُسَرُّ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَهُوَ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا مَاضٍ لِأَمْرِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِسْحَاقُ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ رَبُّكَ مِنْ ذَبْحِي. {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} يَقُولُ: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا مِنَ الصَّابِرِينَ لِمَا يَأْمُرُنَا بِهِ رَبُّنَا، وَقَالَ: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}، وَلَمْ يَقُلْ: مَا تُؤْمَرُ بِهِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: افْعَلِ الْأَمْرَ الَّذِي تُؤَمَرُهُ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: "إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ: افْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا أَسْلَمَا أَمْرَهُمَا لِلَّهِ وَفَوَّضَاهُ إِلَيْهِ وَاتَّفَقَا عَلَى التَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَا ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ (فَلَمَّا أَسْلَمَا) قَالَ: اتَّفَقَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} قَالَ: أَسْلَمَا جَمِيعًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَضِيَ الْغُلَامُ بِالذَّبْحِ، وَرَضِيَ الْأَبُ بِأَنْ يَذْبَحَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَتِ اقْذِفْنِي لِلْوَجْهِ كَيْلَا تَنْظُرَ إِلَيَّ فَتَرْحَمَنِي، وَأَنْظُرُ أَنَا إِلَى الشَّفْرَةِ فَأَجْزَعُ، وَلَكِنْ أَدْخِلِ الشَّفْرَةَ مِنْ تَحْتِي، وَامْضِ لِأَمْرِ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (فَلَمَّا أَسْلَمَا) قَالَ: أَسْلَمَ هَذَا نَفْسَهُ لِلَّهِ، وَأَسْلَمَ هَذَا ابْنَهُ لِلَّهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ (فَلَمَّا أَسْلَمَا) قَالَ: أَسْلَمَا مَا أُمِرَا بِهِ. حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ (فَلَمَّا أَسْلَمَا) يَقُولُ: أَسْلَمَا لِأَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ (فَلَمَّا أَسْلَمَا): أَيُّ سَلَّمَ إِبْرَاهِيمُ لِذَبْحِهِ حِينَ أُمِرَ بِهِ وَسَلَّمَ ابْنُهُ لِلصَّبْرِ عَلَيْهِ، حِينَ عَرَفَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) يَقُولُ: وَصَرَعَهُ لِلْجَبِيِنِ، وَالْجَبِينَانِ مَا عَنْ يَمِينِ الْجَبْهَةِ وَعَنْ شِمَالِهَا، وَلِلْوَجْهِ جَبِينَانِ، وَالْجَبْهَةِ بَيْنَهُمَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْعَاصِمِ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى: وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) قَالَ: وَضَعَ وَجْهَهُ لِلْأَرْضِ، قَالَ: لَا تَذْبَحْنِي وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَى وَجْهِي عَسَى أَنْ تَرْحَمَنِي، وَلَا تُجْهِزْ عَلَيَّ، ارْبُطْ يَدِي إِلَى رَقَبَتِي ثُمَّ ضَعْ وَجْهِي لِلْأَرْضِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ): أَىْ وَكَبَّهُ لِفِيهِ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} حَتَّى بَلَغَ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) قَالَ: أَكَبَّهُ عَلَى جَبْهَتِهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) قَالَ: جَبِينُهُ، قَالَ: أَخَذَ جَبِينَهُ لِيَذْبَحَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْغَنَوِيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُمِرَ بِالْمَنَاسِكِ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَسْعَى فَسَابَقَهُ، فَسَبَقَهُ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَعَلَى إِسْمَاعِيلَ قَمِيصٌ أَبْيَضُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَتِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي ثَوْبٌ تُكَفِّنُنِي فِيهِ غَيْرَ هَذَا، فَاخْلَعْهُ حَتَّى تُكَفِّنَنِي فِيهِ، فَالْتَفَتَ إِبْرَاهِيمُ فَإِذَا هُوَ بِكَبْشٍ أَعْيَنَ أَبْيَضَ فَذَبَحَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَتْبَعُ هَذَا الضَّرْبَ مِنَ الْكِبَاشِ. وَقَوْلُهُ {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} وَهَذَا جَوَابُ قَوْلِهِ (فَلَمَّا أَسْلَمَا) وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، وَأُدْخِلَتِ الْوَاوُ فِي ذَلِكَ كَمَا أُدْخِلَتْ فِي قَوْلِهِ {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} وَقَدْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ فَتُدْخِلُ الْوَاوَ فِي جَوَابِ فَلَمَّا، وَحَتَّى وَإِذَا تُلْقِيهَا. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} الَّتِي أَرَيْنَاكَهَا فِي مَنَامِكَ بِأَمْرِنَاكَ بِذَبْحِ ابْنِكَ. وَقَوْلُهُ {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} يَقُولُ: إِنَّا كَمَا جَزَيْنَاكَ بِطَاعَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ، كَذَلِكَ نَجْزِي الَّذِينَ أَحْسَنُوا، وَأَطَاعُوا أَمْرَنَا، وَعَمِلُوا فِي رِضَانَا. وَقَوْلُهُ {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ}: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ أَمْرَنَا إِيَّاكَ يَا إِبْرَاهِيمُ بِذَبْحِ ابْنِكَ إِسْحَاقَ، لَهُوَ الْبَلَاءُ، يَقُولُ: لَهُوَ الِاخْتِبَارُ الَّذِي يُبَيِّنُ لِمَنْ فَكَّرَ فِيهِ أَنَّهُ بَلَاءٌ شَدِيدٌ وَمِحْنَةٌ عَظِيمَةٌ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ: الْبَلَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الشَّرُّ وَلَيْسَ بِاخْتِبَارٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} قَالَ: هَذَا فَى الْبَلَاءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ فِي أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ. {صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}: ابْتُلِيتَ بِبَلَاءٍ عَظِيمٍ أُمِرْتَ أَنْ تَذْبَحَ ابْنَكَ، قَالَ: وَهَذَا مِنَ الْبَلَاءِ الْمَكْرُوهِ وَهُوَ الشَّرُّ وَلَيْسَ مِنْ بَلَاءِ الِاخْتِبَارِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}. وَقَوْلُهُ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} يَقُولُ: وَفَدَيْنَا إِسْحَاقَ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَالْفِدْيَةُ: الْجَزَاءُ، يَقُولُ: جَزَيْنَاهُ بِأَنْ جَعَلْنَا مَكَانَ ذَبْحِهِ ذَبْحَ كَبْشٍ عَظِيمٍ، وَأَنْقَذْنَاهُ مِنَ الذَّبْحِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فِي الْمَفْدِيِّ مِنَ الذَّبْحِ مِنِ ابْنَيْ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ إِسْحَاقُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبَدِ الْمُطَّلِبِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ إِبْرَاهِيمُ هُوَ إِسْحَاقُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ حَبَّابٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ، قَالَ: "هُوَ إِسْحَاقُ ". حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: افْتَخَرَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ابْنُ الْأَشْيَاخِ الْكِرَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ ذَبِيحِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ حَارِثَةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: مِنِ ابْنِهِ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثَنَا زَكَرِيَّا وَشُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، فِي قَوْلِهِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: (قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ يَقُولُونَ يَا إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، فَبِمَ قَالُوا ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَعْدِلْ بِي شَيْئًا قَطُّ إِلَّا اخْتَارَنِي عَلَيْهِ، وَإِنَّ إِسْحَاقَ جَادَ لِي بِالذَّبْحِ، وَهُوَ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَجْوَدُ، وَإِنَّ يَعْقُوبَ كُلَّمَا زِدْتُهُ بَلَاءً زَادَنِي حُسْنَ ظَنٍّ). حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ بِمَ أَعْطَيْتَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا أَعْطَيْتَهُمْ؟ فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ: الذَّبِيحُ هُوَ إِسْحَاقُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسَيِّدِ بْنِ حَارِثَةَ الثَّقَفِيَّ، أَخْبَرَهُ أَنَّ كَعْبًا قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: أَلَا أُخْبِرُكَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّبِيِّ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَلَى، قَالَ كَعْبٌ: لَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ ذَبْحَ إِسْحَاقَ، قَالَ الشَّيْطَانُ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ أَفْتِنْ عِنْدَ هَذَا آلَ إِبْرَاهِيمَ لَا أَفْتِنُ أَحَدًا مِنْهُمْ أَبَدًا، فَتَمَثَّلَ الشَّيْطَانُ لَهُمْ رَجُلًا يَعْرِفُونَهُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى إِذَا خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْحَاقَ لِيَذْبَحَهُ دَخْلَ عَلَىسَارَةَامْرَأَةِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ أَصْبَحَ إِبْرَاهِيمُ غَادِيًا بِإِسْحَاقَ؟ قَالَتْسَارَةُ: غَدَا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا وَاللَّهِ مَا لِذَلِكَ غَدَا بِهِ، قَالَتْسَارَةُ: فَلِمَ غَدَا بِهِ؟ قَالَ: غَدَا بِهِ لِيَذْبَحَهُ! قَالَتْسَارَةُ: لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، لَمْ يَكُنْ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ! قَالَ الشَّيْطَانُ: بَلَى وَاللَّهِ! قَالَتْسَارَةُ: فَلِمَ يَذْبَحْهُ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ رَبَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَتْسَارَةُ: فَهَذَا أَحْسُنُ بِأَنْ يُطِيعَ رَبَّهُ إِنْ كَانَ أَمْرَهُ بِذَلِكَ. فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ عِنْدِسَارَةَحَتَّى أَدْرَكَ إِسْحَاقَ وَهُوَ يَمْشِي عَلَى إِثْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: أَيْنَ أَصْبَحَ أَبُوكَ غَادِيًا بِكَ؟ قَالَ: غَدَا بِي لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا وَاللَّهِ مَا غَدَا بِكَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، وَلَكِنْ غَدَا بِكَ لِيَذْبَحَكَ، قَالَ إِسْحَاقُ: مَا كَانَ أَبِي لِيَذْبَحَنِي! قَالَ: بَلَى، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ رَبَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ إِسْحَاقُ: فَوَاللَّهِ لَئِنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لَيُطِيعَنَّهُ، قَالَ: فَتَرَكَهُ الشَّيْطَانُ وَأَسْرَعَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: أَيْنَ أَصْبَحْتَ غَادِيًا بِابْنِكَ؟ قَالَ: غَدَوْتُ بِهِ لِبَعْضِ حَاجَتِي، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا غَدَوْتَ بِهِ إِلَّا لِتَذْبَحَهُ، قَالَ: لِمَ أَذْبَحْهُ؟ قَالَ: زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ، قَالَ: اللَّهُ فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ أَمَرَنِي بِذَلِكَ رَبِّي لَأَفْعَلَنَّ، قَالَ: فَلَمَّا أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ لِيَذْبَحَهُ وَسَلَّمَ إِسْحَاقُ، أَعْفَاهُ اللَّهُ وَفَدَاهُ بِذَبْحٍ عَظِيمٍ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِإِسْحَاقَ: قُمْ أَيْ بُنَيَّ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْفَاكَ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى إِسْحَاقَ: إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكَ دَعْوَةً أَسْتَجِيبُ لَكَ فِيهَا، قَالَ، قَالَ إِسْحَاقُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ أَنْ تَسْتَجِيبَ لِي، أَيُّمَا عَبْدٍ لَقِيَكَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ لَا يُشْرِكُ بِكَ شَيْئًا، فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: ثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ حَارِثَةَ الثَّقَفِيِّ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ الَّذِي أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ بِذَبْحِهِ مِنِ ابْنَيْهِ إِسْحَاقُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَّجَ لَهُ وَلِابْنِهِ مِنَ الْبَلَاءِ الْعَظِيمِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، قَالَ اللَّهُ لِإِسْحَاقَ: إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكَ بِصَبْرِكَ لِأَمْرِي دَعْوَةً أُعْطِيكَ فِيهَا مَا سَأَلْتَ، فَسَلْنِي، قَالَ: رَبِّ أَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُعَذِّبَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِكَ لَقِيَكَ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِكَ، فَكَانَتْ تِلْكَ مَسْأَلَتَهُ الَّتِي سَأَلَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ، قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ: قَالَ يُوسُفُ لِلْمَلِكِ فِي وَجْهِهِ: تَرْغَبُ أَنْ تَأْكُلَ مَعِي، وَأَنَا وَاللَّهِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنُ إِسْحَاقَ ذَبِيحِ اللَّهِ، ابْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ. قَالَ: ثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبَى سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ: قَالَ يُوسُفُ لِلْمَلِكِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الَّذِي فُدِيَ بِالذَّبْحِ الْعَظِيمِ مِنْ بَنِي إِبْرَاهِيمَ: إِسْمَاعِيلُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَا ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: الذَّبِيحُ: إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثَنِي بَيَانٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ السُّكَّرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمَّارٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، أَوْ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ، يَعْنِي {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ. وَحَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوبُ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: سُئِلَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ: أَيُّ ابْنَيْ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ؟ فَزَعَمَ أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي فَدَاهُ اللَّهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمَفْدِيِّ إِسْمَاعِيلُ، وَزَعَمَتِ الْيَهُودُ أَنَّهُ إِسْحَاقُ وَكَذَّبَتِ الْيَهُودُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الَّذِي فَدَاهُ اللَّهُ هُوَ إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: الَّذِي أَرَادَ إِبْرَاهِيمُ ذَبْحَهُ: إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: وَكَانَ قَرْنَا الْكَبْشِ مَنُوطَيْنِ بِالْكَعْبَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: الذَّبِيحُ إِسْمَاعِيلُ. قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ قَرْنَيِ الْكَبْشِ فِي الْكَعْبَةِ. قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ. قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِهِ مِنْ بَنِيهِ إِسْمَاعِيلُ، وَإِنَّا لَنَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قِصَّةِ الْخَبَرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ ذَبْحِ ابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ، حِينَ فَرَغَ مِنْ قِصَّةِ الْمَذْبُوحِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} يَقُولُ: بَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، يَقُولُ: بِابْنِ وَابْنِ ابْنِ، فَلَمْ يَكُنْ لِيَأْمُرَهُ بِذَبْحِ إِسْحَاقَ وَلَهُ فِيهِ مِنَ اللَّهِ الْمَوْعُودُ مَا وَعَدَهُ اللَّهُ، وَمَا الَّذِي أَمَرَ بِذَبْحِهِ إِلَّا إِسْمَاعِيلَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ مِنِ ابْنِي إِبْرَاهِيمَ: إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ ذَلِكَ كَثِيرًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بِرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ، إِذْ كَانَ مَعَهُ بِالشَّامِ فَقَالَ لَهُ عُمْرُ: إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا كُنْتُ أَنْظُرُ فِيهِ، وَإِنِّي لِأَرَاهُ كَمَا هُوَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ كَانَ عِنْدَهُ بِالشَّامِ كَانَ يَهُودِيًّا، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ يَرَى أَنَّهُ مِنْ عُلَمَاءِ يَهُودَ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: وَأَنَا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ لَهُ عُمْرُ: أَيُّ ابْنَيْ إِبْرَاهِيمَ أُمِرَ بِذَبْحِهِ؟ فَقَالَ: إِسْمَاعِيلُ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ يَهُودَ لَتَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَبَاكُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ، وَالْفَضْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ مِنْهُ لِصَبْرِهِ لِمَا أَمَرَ بِهِ، فَهُمْ يَجْحَدُونَ ذَلِكَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ إِسْحَاقُ، لِأَنَّ إِسْحَاقَ أَبُوهُمْ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّهُمَا كَانَ، كُلٌّ قَدْ كَانَ طَاهِرًا طَيِّبًا مُطِيعًا لِرَبِّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، قَالَ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْخَطَّابِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدِ الْعُتْبِيِّ مِنْ وَلَدِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَذَكَرُوا الذَّبِيحَ إِسْمَاعِيلَ أَوْ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتُمْ: (كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ عُدَّ عَلَيَّ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الذَّبِيحَيْنِ، فَضَحِكَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا الذَّبِيحَانِ؟ فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَمَّا أُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ، نَذَرَ لِلَّهِ لَئِنْ سَهُلَ عَلَيْهِ أَمْرُهَا لِيَذْبَحَنَّ أَحَدَ وَلَدِهِ، قَالَ: فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَمَنْعَهُ أَخْوَالُهُ، وَقَالُوا: افْدِ ابْنَكَ بِمِئَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، فَفَدَاهُ بِمِئَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَإِسْمَاعِيلُ الثَّانِي»). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبَى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ، وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ الْكَبْشَ الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسْحَاقُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ ذِبْحٌ، وَأَمَّا الذَّبْحُ بِفَتْحِ الذَّالِ فَهُوَ الْفِعْلُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي الْمَفْدِيِّ مِنِ ابْنَيْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَى ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ، لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} فَذَكَرَ أَنَّهُ فَدَى الْغُلَامَ الْحَلِيمَ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ حِينَ سَأَلَهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ وَلَدًا صَالِحًا مِنَ الصَّالِحِينَ، فَقَالَ: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} فَإِذْ كَانَ الْمَفْدِيُّ بِالذَّبْحِ مِنِ ابْنَيْهِ هُوَ الْمُبَشَّرُ بِهِ، وَكَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ قَدْ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ هُوَ إِسْحَاقُ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} وَكَانَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ ذِكْرُ تَبْشِيرِهِ إِيَّاهُ بِوَلَدٍ، فَإِنَّمَا هُوَ مَعْنِيٌّ بِهِ إِسْحَاقُ، كَانَ بَيِّنًا أَنَّ تَبْشِيرَهُ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِ {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَحْوَ سَائِرِ أَخْبَارِهِ فِي غَيْرِهِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ. وَبُعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ خَلِيلِهِ أَنَّهُ بَشَّرَهُ بِالْغُلَامِ الْحَلِيمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ذَلِكَ إِلَّا فِي حَالٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ وَلَدٌ مِنَ الصَّالِحِينَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنِ ابْنَيْهِ إِلَّا إِمَامُ الصَّالِحِينَ، وَغَيْرُ مُوهَمٍ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ رَبَّهُ فِي هِبَةٍ مَا قَدْ كَانَ أَعْطَاهُ وَوَهَبَهُ لَهُ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ بَشَّرَهُ بِهِ وَذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ إِسْحَاقُ، إِذْ كَانَ الْمَفْدِيُّ هُوَ الْمُبَشَّرُ بِهِ. وَأَمَّا الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ مَنِ اعْتَلَّ فِي أَنَّهُ إِسْمَاعِيلُ، أَنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ وَعَدَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ إِسْحَاقَ ابْنُ ابْنٍ، فَلَمْ يَكُنْ جَائِزًا أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَبْحِهِ مَعَ الْوَعْدِ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَبْحِهِ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، وَتِلْكَ حَالٌ غَيْرُ مُمْكِنٍ أَنْ يَكُونَ قَدْ وُلِدَ لِإِسْحَاقَ فِيهَا أَوْلَادٌ، فَكَيْفَ الْوَاحِدُ؟ وَأَمَّا اعْتِلَالُ مَنِ اعْتَلِ بِأَنَّ اللَّهَ أَتْبَعَ قِصَّةَ الْمَفْدِيِّ مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ بِقَوْلِهِ {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا} وَلَوْ كَانَ الْمَفْدِيُّ هُوَ إِسْحَاقُ لَمْ يُبَشَّرْ بِهِ بَعْدُ، وَقَدْ وُلِدَ، وَبَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، فَإِنَّ الْبِشَارَةَ بِنَبْوِةِ إِسْحَاقَ مِنَ اللَّهِ فِيمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ جَاءَتْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ بَعْدَ أَنْ فُدِيَ تَكْرِمَةً مِنَ اللَّهِ لَهُ عَلَى صَبْرِهِ لِأَمْرِ رَبِّهِ فِيمَا امْتَحَنَهُ بِهِ مِنَ الذَّبْحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الرِّوَايَةُ قَبْلُ عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ. وَأَمَّا اعْتِلَالُ مَنِ اعْتَلَّ بِأَنَّ قَرْنَ الْكَبْشِ كَانَ مُعَلَّقًا فِي الْكَعْبَةِ فَغَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يَكُونَ حُمِلَ مِنَ الشَّامِ إِلَى الْكَعْبَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ إِنَّمَا أُمِرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ إِسْحَاقَ بِالشَّامِ، وَبِهَا أَرَادَ ذَبْحَهُ. اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الذِّبْحِ الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسْحَاقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ كَبْشًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: كَبْشٌ أَبْيَضُ أَقْرَنُ أَعْيَنُ مَرْبُوطٌ بِسَمُرَةٍ فِي ثَبِيرٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: كَبْشٌ قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: ذُبِحَ بِالْمَقَامِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ذُبِحَ بِمِنًى فِي الْمَنْحَرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْكَبْشُ الَّذِي ذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ هُوَ الْكَبْشُ الَّذِي قَرَّبَهُ ابْنُ آدَمَ فَتُقُبِّلَ مِنْهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ أَفْتَى الَّذِي جَعَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَ نَفْسَهُ، فَأَمَرَهُ بِمِئَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْدَ ذَلِكَ: لَوْ كُنْتُ أَفْتَيْتُهُ بِكَبْشٍ لَأَجْزَأَهُ أَنْ يَذْبَحَ كَبْشًا، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: ذِبْحٌ كَبْشٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْتَفَتَ فَإِذَا كَبْشٌ، فَأَخَذَهُ فَذَبَحَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: كَانَ الْكَبْشُ الَّذِي ذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ رَعَى فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ كَبْشًا أَمْلَحَ، صُوفُهُ مِثْلُ الْعِهْنِ الْأَحْمَرِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: بِكَبْشٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا لَيْثٌ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الذِّبْحُ الْعَظِيمُ: شَاةٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: وَثَنًا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ (بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) قَالَ: بِكَبْشٍ. وَحَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: الذِّبْحُ: الْكَبْشُ. حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: الْتَفَتَ، يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ، فَإِذَا بِكَبْشٍ، فَأَخَذَهُ وَخَلَّى عَنِ ابْنِهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الذِّبْحُ الْعَظِيمُ: الْكَبْشُ الَّذِي فَدَى اللَّهُ بِهِ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، فِي قَوْلِهِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: خَرَجَ عَلَيْهِ كَبْشٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَدْ رَعَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، فَأَرْسَلَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ وَاتَّبَعَ الْكَبْشَ، فَأَخْرَجَهُ إِلَى الْجَمْرَةِ الْأَوْلَى فَرُمِيَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَأُفْلِتَهُ عِنْدَهُ، فَجَاءَ الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى، فَأَخْرَجَهُ عِنْدَهَا، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ أُفْلِتَهُ فَأَدْرَكَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَأَخْرَجَهُ عِنْدَهَا، ثُمَّ أَخَذَهُ فَأَتَى بِهِ الْمَنْحَرَ مِنْ مِنًى، فَذَبَحَهُ، فَوَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّ رَأْسَ الْكَبْشِ لَمُعَلَّقٌ بِقَرْنَيْهِ عِنْدَ مِيزَابِ الْكَعْبَةِ قَدْ حُشَّ، يَعْنِي يَبِسَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَيَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَبِيحَةَ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي فَدَى بِهَا ابْنَهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ أَقْرَنُ أَعْيَنُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: بِكَبْشٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ الذِّبْحُ وَعْلًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: كَانَ وَعْلًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا فُدِيَ إِسْمَاعِيلُ إِلَّا بِتَيْسٍ مِنَ الْأَرْوِيِّ أُهْبِطَ عَلَيْهِ مِنْ ثُبَيْرٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالسَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ لِلذِّبْحِ الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسْحَاقُ عَظِيمٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ كَانَ رَعَى فِي الْجَنَّةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: رَعَى فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا. وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ لَهُ عَظِيمٌ، لِأَنَّهُ كَانَ ذِبْحًا مُتَقَبَّلًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، (عَظِيمٌ) قَالَ: مُتَقَبَّلٌ. حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قَالَ: الْعَظِيمُ: الْمُتَقَبَّلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ لَهُ عَظِيمٌ، لِأَنَّهُ ذِبْحٌ ذُبِحَ بِالْحَقِّ، وَذَلِكَ ذَبْحُهُ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا يَقُولُ اللَّهُ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} لِذَبِيحَتِهِ الَّتِي ذَبَحَ فَقَطْ، وَلَكِنَّهُ الذَّبْحُ عَلَى دِينِهِ، فَتِلْكَ السُّنَّةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَاعْلَمُوا أَنَّ الذَّبِيحَةَ تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ، فَضَحُّوا عِبَادَ اللَّهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ أَصَحُّ مِمَّا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: فَدَاهُ اللَّهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَمَّ وَصَفَهُ إِيَّاهُ بِالْعَظْمِ دُونَ تَخْصِيصِهِ، فَهُوَ كَمَا عَمَّهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِ فِيمَنْ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثَنَاءً حَسَنًا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} قَالَ: أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ فِي الْآخَرِينَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} قَالَ: سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} قَالَ: فَتَرَكَ اللَّهُ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ فِي الْآخَرِينَ، كَمَا تَرَكَ اللِّسَانَ السَّوْءَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَأَشْبَاهِهِ كَذَلِكَ تَرَكَ اللِّسَانَ الصِّدْقَ وَالثَّنَاءَ الصَّالِحَ عَلَى هَؤُلَاءِ. وَقِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخَرِينَ السَّلَامَ، وَهُوَ قَوْلُهُ {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}، وَذَلِكَ قَوْلٌ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَمْ نَسْتَجِزْ ذِكْرَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي قَوْلِهِ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَقِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخَرِينَ أَنْ يُقَالَ: سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَقَوْلُهُ {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمَنَةً مِنَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ لِإِبْرَاهِيمَ أَنْ لَا يُذْكَرَ مِنْ بَعْدِهِ إِلَّا بِالْجَمِيلِ مِنَ الذِّكْرِ. وَقَوْلُهُ {كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} يَقُولُ: كَمَا جَزَيْنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى طَاعَتِهِ إِيَّانَا وَإِحْسَانِهِ فِي الِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِنَا، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} يَقُولُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ لَنَا الْإِيمَانَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَبَشَّرْنَا إِبْرَاهِيمَ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا شُكْرًا لَهُ عَلَى إِحْسَانِهِ وَطَاعَتِهِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} قَالَ: بُشِّرَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ نَبِيًّا، بَعْدَ مَا كَانَ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ لَمَّا جَادَ لِلَّهِ بِنَفْسِهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ، قَالَ: وَقَوْلُهُ {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} قَالَ بُشِّرَ بِنُبُوَّتِهِ. قَالَ: وَقَوْلُهُ {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} قَالَ: كَانَ هَارُونُ أَكْبَرَ مِنْ مُوسَى، وَلَكِنْ أَرَادَ وَهَبَ اللَّهُ لَهُ نُبُوَّتَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ يُحَدِّثُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} قَالَ: إِنَّمَا بَشَّرَهُ بِهِ نَبِيًّا حِينَ فَدَاهُ مِنَ الذَّبْحِ، وَلَمْ تَكُنِ الْبِشَارَةُ بِالنُّبُوَّةِ عِنْدَ مَوْلِدِهِ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الطَّحَّانُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا} قَالَ: إِنَّمَا بُشِّرَ بِالنُّبُوَّةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} قَالَ: بُشِّرَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} قَالَ: بِنُبُوَّتِهِ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ فَضَيْلٍ، عَنْ ضِرَارٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ، قَالَ: بُشِّرَ إِبْرَاهِيمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَمِئَةِ سَنَةٍ. وَقَوْلُهُ {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَبَارَكْنَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى إِسْحَاقَ {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ} يَعْنِي بِالْمُحْسِنِ: الْمُؤْمِنَ الْمُطِيعَ لِلَّهِ، الْمُحْسِنَ فِي طَاعَتِهِ إِيَّاهُ {وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} وَيَعْنِي بِالظَّالِمِ لِنَفْسِهِ: الْكَافِرَ بِاللَّهِ، الْجَالِبَ عَلَى نَفْسِهِ بِكُفْرِهِ عَذَابَ اللَّهِ وَأَلِيمَ عِقَابِهِ (مُبِينٌ): يَعْنِي الَّذِي قَدْ أَبَانَ ظُلْمَهُ نَفْسَهُ بِكُفْرِهِ بِاللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ {مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} قَالَ: الْمُحْسِنُ: الْمُطِيعُ لِلَّهِ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: الْعَاصِي لِلَّهِ.
|